في ظل الانتشار الكبير لمنصات الفيديو القصير مثل تيك توك وإنستغرام رييلز، كشفت دراسات حديثة عن تأثيرات خطيرة لهذه الوسائط على صحة الدماغ، خاصةً لدى المستخدمين الذين يقضون ساعات طويلة في تصفح هذه المحتويات. أظهرت الأبحاث أن الإدمان على هذه الفيديوهات يسبب تغيّرات في بنية الدماغ ووظائفه، خصوصًا في المناطق المسؤولة عن التحكم العاطفي، اتخاذ القرار، والمعالجة المعرفية.

 

الباحثون في جامعة تيانجين بالصين اكتشفوا أن الأشخاص المدمنين على هذه المنصات لديهم زيادة في حجم المادة الرمادية في منطقة القشرة المدارية أمام الجبهية وحوبيبة المخ، وهي مناطق تتحكم في المكافآت والانفعالات. هذه التغيرات تشبه تغيّرات الدماغ التي تلاحَظ في أنواع الإدمان الأخرى. كما أن النشاط الزائد في هذه المناطق يربط بين الإدمان وسلوكيات الاندفاع وقلة ضبط النفس، ما يزيد من مخاطر اتخاذ قرارات متسرعة وسلوكيات خطرة.

 

التأثير لا يقتصر على البنية فقط، بل يمتد لوظائف الدماغ، إذ أظهرت تقنيات رسم الدماغ بالأمواج الكهربائية EEG ضعفًا في الشبكة العصبية المسؤولة عن تنفيذ الانتباه والقدرة على التحكم الذاتي، مما يفسر التشتت وضعف التركيز لدى مدمني الفيديوهات القصيرة. هذه النتائج تأتي متزامنة مع دراسات أخرى بينت أن الاستهلاك المفرط يضعف الذاكرة المستقبلية، ويعطل خطة الدماغ لمتابعة المهام المعقدة أو الطويلة المدى.

 

ما يجعل الأمر أكثر إثارة للقلق هو ظاهرة تُعرف باسم “دماغ البوب كورن” أو “Popcorn Brain”. هذا المصطلح يصف حالة دماغية يصبح فيها الفرد مدمناً على التنقل السريع بين محتوى متغير باستمرار، مما يؤدي لمحاربة الدماغ أي نشاط يحتاج لجهد وتركيز مستمر. الأطفال والمراهقون يتأثرون بهذه الظاهرة بشكل خاص، حيث الدماغ في هذه الفئة العمرية لا يزال في طور التطور ويكون أكثر عرضة للتغيرات الناتجة عن التحفيز المستمر.

 

الآثار السلبية لهذه الظاهرة ليست فقط على الصحة النفسية، بل تمتد لتشمل تحصيل الطلاب والأداء الوظيفي، إذ ترتبط قلة الانتباه والذاكرة الضعيفة بانخفاض جودة التعلم والإنتاجية. بالإضافة لذلك، يُعتقد أن التعود على هذا النمط السريع من المعلومات يُضعف قدرات الدماغ على الصبر وتحمل المواقف

المعقدة.