: 21 أكتوبر، 2025 : Ahmed Hanini : 0

في واحدة من القصص القضائية التي أعادت النقاش حول مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم بعد بلوغهم سنّ الرشد، شهدت محاكم مراكش قضية غير مألوفة جمعت بين أب وابنته داخل أروقة العدالة.
القضية بدأت حين قرر أب رفع دعوى يطالب فيها بطرد ابنته من منزل العائلة، بعد أن بلغت سن الرشد القانونية، معتبراً أن من واجبها أن تعتمد على نفسها وأن وجودها في البيت لم يعد له مبرر. المحكمة الابتدائية استجابت لطلبه، ووصفت الابنة بأنها “محتلة للسكن”، لتصدر حكماً يقضي بإفراغها من المنزل العائلي.

لكن الفتاة لم تستسلم. لجأت إلى محكمة الاستئناف وقدّمت طعناً في الحكم، موضحة أنها غير متزوجة ولا تملك عملاً، وأن نفقتها لا تزال واجبة على والدها. غير أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم الابتدائي، معتبرة أن انتهاء الحضانة يعني انتهاء حقها في السكن، لتجد نفسها مهددة بفقدان المأوى الذي نشأت فيه.

التحوّل المفصلي جاء مع تدخل محكمة النقض، التي رأت أن ما قامت به المحاكم السابقة يخالف جوهر القانون وروح العدالة. ففي قرار لقي ترحيباً واسعاً، نقضت المحكمة الحكم السابق وأكدت أن الأب لا يُعفى من واجب النفقة والمسكن تجاه ابنته ما دامت غير متزوجة ولا مستقلة مادياً. واعتبرت أن حرمانها من السكن في هذه الحالة يُعد إخلالاً بالتزامه الشرعي والقانوني.

بناءً على هذا القرار، أعادت محكمة الاستئناف في مراكش النظر في الملف، لتصدر حكماً جديداً يقضي بإلغاء حكم الطرد ورفض دعوى الأب، مع تحميله مصاريف القضية.

القضية، التي لاقت صدى واسعاً في الأوساط القانونية والاجتماعية، أعادت إلى الواجهة سؤالاً حساساً في المجتمع المغربي: أين تنتهي حدود المسؤولية الأبوية، ومتى يصبح استقلال الأبناء حقاً لا عبئاً؟ بين من يرى أن الأب تصرّف وفق منطق “الاستقلال والمسؤولية”، ومن يعتبر أن فعله خالٍ من الرحمة، بقي حكم القضاء بمثابة تذكير بأن القانون، في النهاية، لا يُقاس بالعمر وحده، بل بالعدل والإنصاف والواجب الإنساني.

 

Leave a Comment