في الوقت الذي تتجه فيه إسبانيا نحو تقليص ساعات العمل الأسبوعية من 40 إلى 37.5 ساعة دون أي تخفيض في الأجور، نجد أن المغرب يسير في اتجاه معاكس تمامًا، عبر تمرير قوانين وقرارات لا تخدم سوى مصالح الباطرونا اللاوطنية، وفي مقدمتها مشروع قانون الإضراب التقييدي.

 

في إسبانيا، وبعد أكثر من أربعة عقود من الجمود، تمكنت النقابات العمالية من فرض اتفاق تاريخي سيستفيد منه نحو 13 مليون عامل. القرار لم يكن هبة من الحكومة، بل جاء بعد مفاوضات طويلة وضغط نقابي مستمر، ليُعتبر مكسبًا يعزز كرامة الأجراء، ويمنحهم حقًا مشروعًا في التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية. نائبة رئيس الوزراء ووزيرة العمل، يولاندا دياز، اعتبرت أن الأمر لا يتعلق بإجراء اقتصادي فحسب، بل بـ”مشروع وطني” يهدف إلى تحديث البلاد.

 

أما في المغرب، فالوضع مختلف جذريًا، بدل التفكير في تقليص ساعات العمل أو تحسين الأجور أو تعزيز المكتسبات الاجتماعية، تتجه السياسات الرسمية نحو تقييد العمل النقابي وتشديد الخناق على سلاح الإضراب، الذي يمثل الوسيلة القانونية والديمقراطية الوحيدة لانتزاع الحقوق. مشاريع القوانين المطروحة، ومنها قانون الإضراب الذي تم تمريره بطريقة تدليسية، تكشف بوضوح انحياز الدولة لصالح الباطرونا، في الوقت الذي يعيش فيه ملايين الأجراء تدهورًا غير مسبوق في القدرة الشرائية وغيابًا للعدالة الاجتماعية.

 

المقارنة بين التجربتين تحمل أكثر من دلالة:

 

في إسبانيا، النقابات فرضت تقليص ساعات العمل مع الأجر الكامل.

 

في المغرب، النقاش ينصب على تقييد الحق في الاحتجاج بدل تحسين شروط العمل.

 

هذه المفارقة تضع أمام الرأي العام والشغيلة سؤالًا جوهريًا: لماذا تتقدم بلدان أخرى بفضل قوة تنظيماتها النقابية، بينما ما زلنا في المغرب نواجه محاولات لتجريد الأجراء من أبسط أدوات الدفاع عن حقوقهم؟

 

إن التجربة الإسبانية تثبت مرة أخرى أن الوحدة النقابية والنضال الحقيقي هما السبيل الوحيد لانتزاع المكتسبات، وأن الطريق إلى الكرامة يمر عبر الوعي والتمسك بالحق، لا عبر الاستسلام لقوانين رجعية تخدم قلة على حساب الأغلبية.