
يشكل الضمان الاجتماعي ركيزة أساسية في منظومة الحماية الاجتماعية، ووسيلة لضمان كرامة المواطن واستقراره الاجتماعي، خاصة الفئات الضعيفة والمشتغلة في القطاعات غير المهيكلة. غير أن واقع الخدمات داخل وكالات الضمان الاجتماعي بالمغرب، لا سيما في المدن الكبرى، يكشف عن مجموعة من الاختلالات التي تُحبط المرتفقين وتتناقض مع الأهداف المعلنة لتعميم التغطية الصحية وتحسين جودة العيش.
يعاني المواطنون من مشاكل متكررة تبدأ منذ اللحظة الأولى لدخول الوكالة، حيث يواجهون ازدحامًا شديدًا أمام المكاتب، وطوابير طويلة تمتد لساعات دون تنظيم فعّال. هذا الاكتظاظ غالبًا ما يكون نتيجة نقص الموارد البشرية وغياب نظام رقمي فعّال لتدبير المواعيد والخدمات، ما يجعل الزبون تحت رحمة الانتظار والبيروقراطية.
ومن بين المشاكل الأخرى التي تؤرق المرتفقين، التأخير المبالغ فيه في معالجة الملفات، سواء تعلق الأمر بالتسجيل، التغطية الصحية، أو تحصيل المعاشات. فالكثير من المواطنين يشتكون من طول مدة الانتظار، إذ قد يتطلب أمر بسيط كتحيين ملف أو طلب شهادة عدة زيارات متكررة للوكالة، دون نتائج ملموسة. يحدث ذلك في ظل ضعف التواصل داخل الوكالة، حيث يصعب على المواطن الحصول على معلومة دقيقة أو جواب واضح، بل يُحال من شباك لآخر، ومن موظف لآخر، في مشهد يعكس غياب الرؤية الواضحة لدى الإدارة.
يزداد الوضع تأزماً بسبب أسلوب التعامل الذي يتسم أحياناً بالجفاء، وعدم الاكتراث، بل وحتى سوء المعاملة، خصوصاً مع كبار السن أو النساء القادمات من مناطق بعيدة. فقد أكد العديد من المرتفقين أنهم تعرضوا لتعليقات مهينة، أو تلقوا إجابات غير لائقة من بعض الموظفين، ما يحوّل زيارة وكالة الضمان الاجتماعي إلى تجربة مرهقة نفسيًا ومهينة في بعض الأحيان.
هذا الواقع لا ينسجم إطلاقًا مع التوجيهات الرسمية التي تدعو إلى تسهيل الخدمات، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتوسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل جميع المواطنين دون تمييز. وبينما تؤكد الدولة التزامها بإصلاح المنظومة وتحسين الأداء الإداري، يبقى المواطن في الواجهة، يواجه معاناة يومية في سبيل الحصول على حقه في خدمة عمومية كان من المفترض أن تحميه لا أن تثقله.
في نهاية المطاف، فإن إصلاح الضمان الاجتماعي لا يمكن أن يقتصر على تغييرات إدارية شكلية، بل يجب أن يشمل ثورة حقيقية في طريقة التعامل مع المواطن، وفي فلسفة الخدمة العمومية، لتصبح أكثر إنسانية وفعالية، وأكثر احترامًا لكرامة المرتفق، وحقه في معاملة تليق به كمواطن كامل الحقوق.