
في مساء لا يختلف عن أي مساء في مدينة طنجة، تحوّل سكون مجمع “قواسم” السكني إلى فوضى من الصراخ والدّوي، بعد سقوط جسد شاب في ريعان شبابه من سطح إحدى العمارات. المشهد المروّع ترك المارة في حالة صدمة، بينما هرع البعض لطلب النجدة، لكن الأوان كان قد فات.
بحسب روايات الجيران، فإن الشاب الذي لم يتجاوز منتصف العشرينات من عمره، أقدم على إنهاء حياته بإلقاء نفسه من الأعلى، في خطوة مفاجئة لم يسبقها أي إنذار واضح. تساؤلات كثيرة تطفو على السطح: ما الذي دفعه إلى هذه الخطوة اليائسة؟ هل كانت معاناة صامتة؟ أم أزمة نفسية طواها في صمت؟
لم تمض ساعاتٌ قليلة حتى عاد الجرح ينزف من جديد في حي “طنجة البالية”، حيث عُثر على رجل في الثلاثينيات من عمره منتحراً داخل منزله. حادثان في يوم واحد، يطرحان أسئلةً كبيرة عن حجم المعاناة الخفيّة التي قد يعيشها البعض في صمت، وعن الحاجة إلى مزيد من الاهتمام بالصحة النفسية في مجتمعنا.
تحت أضواء سيارات الشرطة والإسعاف، انتُشلت الجثتان في صمتٍ ثقيل. جثة الشاب الذي سقط من العمارة نُقلت إلى مستودع الأموات بمستشفى “الدوق دو طوفار” في انتظار تشريح يحدد التفاصيل الأخيرة لرحلته المأساوية، بينما باشرت المصالح الأمنية تحقيقاتها الروتينية.
في زوايا المدينة التي لا تُرى، تبقى هذه الحوادث جرس إنذارٍ صامت. فوراء كل رقم إحصائي، هناك قصة إنسان، وربما كان في الإمكان إنقاذها لو تدخلت الأيدي الحانية في الوقت المناسب. السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء: كم من الأرواح يجب أن تُزهق قبل أن ندرك أن اليأس قد يكون قاتلاً صامتاً؟