
طنجة.. مدينة النخيل
أتحدث إليكم اليوم من قلب طنجة، المدينة التي كانت يوما عروس الشمال بجمالها الأخضر، فأصبحت فجأة غابة من النخيل الذي لا يرحم. نخيل لا ينتمي إليها، ولا يلبي حاجاتها، ولا يحترم هويتها. نخيل يقتل روح المدينة شيئا فشيئا، بينما نقف عاجزين أمام هذا الغزو الأخضر غير المدروس.
النخيل الذي لا ينتمي: لماذا هذه الحرب على هوية طنجة؟
لنكن واضحين منذ البداية: المشكلة ليست في النخيل نفسه، بل في هذا الهوس غير المبرر بتحويل طنجة إلى واحة صحراوية، وكأننا نعيش في الواحات وليس في مدينة متوسطية عريقة.
أين هي أشجار التين التي كانت تزين شوارعنا؟ أين أشجار الزيتون التي شكلت جزءا من ذاكرتنا الجمعية؟ أين الخروب والجميز والصفصاف الذي كان يقدم ظلا وارفا في قيظ الصيف؟ لقد تم التضحية بكل هذا لمصلحة نخيل لا يناسب مناخنا الرطب، ولا يقدم لنا سوى ديكورا أخضر فارغا من أي فائدة حقيقية.
الكارثة البيئية: عندما يصبح التشجير جريمة
لننظر إلى الحقائق العلمية: النخيل المزروع في طنجة لا يتحمل الرطوبة العالية، لذا نرى أوراقه تذبل وتتحول إلى اللون البني القبيح. وهو لا يوفر ظلا كافيا مقارنة بالأشجار المحلية، كما أن كفاءته في تنقية الهواء ضعيفة جدا مقارنة بالأشجار العريضة الأوراق.
فهل يعقل أن نستمر في هذه السياسة العبثية، بينما مدن أخرى في العالم تعيد النظر في سياسات التشجير لصالح البيئة والمواطنين؟
الصفقات المشبوهة: من المستفيد من غرس النخيل بهذا الشكل الجنوني؟
هنا نصل إلى لب المشكلة: لماذا يتم التشبث بالنخيل رغم كل هذه السلبيات؟
الكلام في طنجة لا يخفى على أحد: هناك صفقات مشبوهة تحيط بعمليات التشجير. صفقات تدر الملايين على بعض المقاولين والمسؤولين، بينما يدفع المواطن الثمن من جيبه وصحته وجمال مدينته.
لماذا لا يتم التشجير بأشجار مناسبة مثل البلوط الفليني أو الخرنوب أو الزيتون التي تنتمي فعلا إلى بيئتنا؟ لماذا لا نستمع إلى خبراء البيئة بدلا من مقاولين يبحثون عن الربح السريع؟
نداء أخير: طنجة تختنق.. أنقذوها قبل فوات الأوان
نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد وقف غرس النخيل العشوائي فورا، وإعادة تشجير المدينة بأشجار محلية مناسبة للمناخ، وتحقيقا شفافا في صفقات التشجير المشبوهة، وإشراك الخبراء والمواطنين في قرارات التشجير.
طنجة تستحق أن تتنفس، طنجة تستحق أن تعود إلى جمالها الذي عرفناه. كفى من التجارب الفاشلة، كفى من تحويل مدينتنا إلى ديكور أخضر لا حياة فيه.
طنجة ليست واحة صحراوية، طنجة مدينة حية تختنق تحت وطأة النخيل.